كانت إندونيسيا، حتى وقت ليس ببعيد، بعيدة عن دائرة الاهتمام في مجال التكنولوجيا المتقدمة، لكنها تشهد تحولًا جذريًا لتصبح واحدة من المراكز الرئيسية لصناعة الذكاء الاصطناعي عالميًا. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، يدفع هذا الارتفاع السريع، رغم تحديات مثل الراتب السنوي المتوسط الذي لا يتجاوز 2200 دولار، ومشكلات في جودة المياه والكهرباء، نحو بناء أحد أكثر أسواق البنية التحتية الرقمية حيوية في العالم.
تشير التوقعات إلى نمو سوق الذكاء الاصطناعي في إندونيسيا بنسبة 30% سنويًا خلال السنوات الخمس القادمة، ليصل إلى 2.4 مليار دولار. ويُمَثِّلُ هذا الاتجاه جزءًا من حركة أوسع، حيث تُوَجَّهُ الاستثمارات الهائلة في مجال تكنولوجيا المعلومات نحو دول لم تكن لاعبًا رئيسيًا سابقًا في هذا المجال.
“تحرير” الذكاء الاصطناعي: قوانين التوطين تدفع التحول
العامل الأساسي لهذا التحوُّل هو موجة القوانين العالمية المتعلقة بتوطين البيانات، التي تُلْزِمُ الدول بمعالجة المعلومات المتعلقة بمواطنيها وشركاتها داخل حدودها. هذا يُجْبِرُ عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل وأمازون على إنشاء أو استئجار مراكز بيانات محلية، مما يُعْرِفُ بعملية “تحرير الذكاء الاصطناعي”، حيث تخرج السيطرة على البيانات من احتكار الدول المتقدِّمَة لتصبح ركيزة من ركائز السيادة الوطنية.
وفي جنوب شرق آسيا، تتصدَّر الدول الاستفادة من هذا الاتجاه. أعلنت غوغل عن استثمارات بـ15 مليار دولار لبناء مراكز بيانات في الهند، بينما خصَّصَتْ أمازون ويب سيرفيسز حوالي 5 مليارات دولار لتطوير البنية التحتية في تايلاند. أما في إندونيسيا، فقد ساهم قطاع مراكز معالجة البيانات بـ374 مليون دولار للاقتصاد في 2024، ومن المتوقَّع أن يتضاعف هذا الرقم ستة أضعاف بحلول 2030.
تأثيرات اقتصادية عميقة وفرص تاريخية
يُحَفِّزُ ازدهار هذه البنية التحتية تغييرات جذرية في الاقتصادات المحلية، من خلال خلق فرص عمل جديدة، تطوير النظم البيئية التكنولوجية، وتسريع التحول الرقمي في الدول النامية. هذه الفرصة التاريخية، الناتجة عن السباق العالمي على البيانات والقدرات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، تُمَكِّنُ المنطقة من اللحاق بالركب التقني العالمي بسرعة غير مسبوقة.