يجسد التحول نحو التجارة الإلكترونية عبر نماذج B2B وB2C وB2B2C تغييراً جذرياً في آليات الأعمال المعاصرة. فالشركات التي اعتمدت تقليدياً على معاملات بين الشركات (B2B) باتت تتجه اليوم نحو التواصل المباشر مع المستهلكين (B2C) أو تبني نموذجاً مختلطاً (B2B2C). يأتي ذلك سعياً لاستكشاف احتياجات العملاء بشكل أعمق، وتعزيز الأرباح، واستعادة التحكم في مسار القيمة. وتكشف نماذج ناجحة حديثة مثل Instacart وPLUS A/S، مدعومة بإحصاءات جديدة، كيف أن الرقمنة تقلب موازين الاقتصاد بشكل جذري. التجارة الإلكترونية: بوابة لاستكشاف أعمق لسلوكيات العملاء في الأطر التقليدية لـB2B، يعول المصنعون على الوسطاء لقراءة نبض السوق النهائي. غير أن المنصات الرقمية غيرت هذه المعادلة جذرياً. أصبحت الشركات قادرة على الوصول إلى معلومات دقيقة حول تكرار المشتريات، وقيمة الطلب المتوسطة، وتفضيلات الزبائن. على سبيل التوضيح، حققت Instacart في 2024 حجم معاملات يبلغ 33.4 مليار دولار. وبحلول الربع الثاني من 2025، تجاوز عدد الطلبات على المنصة 82 مليوناً، بارتفاع 17% عن الفترة المقابلة السابقة. هذه البيانات تغذي الخطط التسويقية وتولد ما يسمى بذكاء العملاء. إعادة توازن سلسلة القيمة عبر المنصات الرقمية لا تقتصر التجارة الإلكترونية على إضافة قناة بيع جديدة، بل تعيد تشكيل كامل مسار القيمة. تجربة PLUS A/S، الشركة الدنماركية المتخصصة في الأثاث الخارجي، تمثل نموذجاً حياً لذلك. من خلال منصتها الإلكترونية، يقوم الزبون باختيار المنتج ثم يتم توجيهه لإكمال الصفقة مع الموزع القريب. بهذا النهج، تقوي العلامة وجودها دون إضعاف شركائها. وتكشف الإحصاءات أن أكثر من 70% من عمليات التوجيه هذه تنتهي بشراء فعلي، مما يؤكد فعالية النموذج الهجين B2B2C في تحقيق نتائج ملموسة. ومن ثم، يتحول الرقمنة إلى أداة تجمع بين الفعالية والشراكة. تعزيز الهوامش وتحقيق نمو مستدام أحدث التحول الرقمي تغييراً كبيراً في الأداء المالي أيضاً. فبتقليل الاعتماد على الوسطاء، تحتفظ الشركات بنسبة أعلى من الإيرادات. وتظهر أداء Instacart ذلك بوضوح، حيث ارتفعت إيراداتها في الربع الثاني من 2025 بنسبة 11% لتصل إلى 914 مليون دولار، فيما قفزت أرباحها الصافية بنسبة 92% إلى 116 مليون دولار. هذه الأرقام تبرهن أن نماذج التجارة الإلكترونية B2B وB2C وB2B2C تدعم التوسع المربح عبر السيطرة الأمثل على التسعير وبناء الولاء لدى الزبائن. تسريع الابتكار من خلال التحول الرقمي في المبيعات ساهم الرقمنة في عمليات البيع بتسريع وتيرة الابتكار كذلك. نجحت Instacart في رفع معدلات الطلبات عبر خفض الحد الأدنى للطلب للمشتركين. أما PLUS A/S فقد أثبتت أن دمج منصة العلامة مع الموزعين المحليين يرفع بشكل كبير من نسب التحويل. وبهذا، تتحول التجارة الإلكترونية إلى محفز استراتيجي يمنح مرونة غير متوفرة في الأطر التقليدية لـB2B. من B2B إلى B2C أو B2B2C: هل هي مخاطر أم فرص واعدة؟ يثير التحول نحو B2C مخاوف حول خطر التنافس مع الشركاء أو التعارض التجاري. فالبيع المباشر للمستهلك قد يضع الشركة في مواجهة موزعيها. هذا التحدي حقيقي إذا غابت الاستراتيجية الرقمية الواضحة أو الاتفاق مع الشركاء. ومع ذلك، تفوق الفرص هذه المخاطر بكثير. عبر إدماج الموزعين في العملية الرقمية، كما في حالة PLUS A/S، تصبح التجارة الإلكترونية عنصراً داعماً لا مهدداً. وبالتالي، يمثل النموذج المختلط فرصة مستدامة وفعالة. تحول عالمي مدعوم بالإحصاءات تدعم البيانات الدولية حجم هذا التحول. فقد بلغ حجم سوق التجارة الإلكترونية B2B حوالي 18.6 تريليون دولار في 2023، ومن المتوقع أن يرتفع إلى نحو 57.6 تريليون دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 18.2%. هذا الدفع يجعل الرقمنة عموداً أساسياً في التطور الاقتصادي العالمي. لم يعد خياراً بل ضرورة بات الانتقال من B2B إلى B2C وB2B2C ضرورة استراتيجية لا خياراً. تمنح التجارة الإلكترونية B2B B2C B2B2C الشركات رؤية أوضح للعملاء، وتحسيناً للأرباح، وتكاملاً أفضل في سلسلة القيمة، ودفعاً للابتكار. وتثبت تجارب Instacart وPLUS A/S أن المزايا تفوق التحديات بفارق كبير. وفي سوق يتغير بسرعة، ستكون الشركات التي تضع الرقمنة في صلب أعمالها هي الأكثر قدرة على المنافسة في المستقبل. بقلم وليد الكعلي أستاذ جامعي، خبير مرافق في مجال التجارة الإلكترونية، الاستراتيجيات والتحول الرقمي للمؤسسات.
التحول الرقمي يعيد رسم خريطة التجارة الإلكترونية: من B2B إلى B2C وB2B2C
15