كانت سبخة بن غياضة، في جنوب مدينة المهدية، تُعتبر لسنوات طويلة منطقة مهملة وملوثة، لكنها على وشك أن تتحول إلى وجهة سياحية مستدامة ومتكاملة. يأتي هذا التغيير ضمن خطة وطنية طموحة للتنمية، يقودها الدولة التونسية، لتحويل هذا الموقع الطبيعي إلى نموذج حضري يجمع بين الابتكار والحفاظ على البيئة.
أكدت هلا دسيم رحمومي، الرئيسة المديرة العامة لشركة دراسات وتخطيط سبخة بن غياضة (التابعة لوزارة التجهيز)، أن هذا المشروع يُعد من أبرز البرامج التي تُولد فرص عمل كثيرة وتضيف قيمة عالية للاقتصاد الوطني. وقالت في تصريح لوكالة الأنباء التونسية: “نسعى لتحويل مساحة مهملة إلى نموذج لمدينة ذكية تحترم البيئة وتفتح آفاقًا جديدة للجميع”.
مشروع طويل الأمد يركز على الاستدامة البيئية
سيغطي المشروع مساحة تصل إلى 142 هكتارًا على الساحل الجنوبي للمهدية، مع إنشاء مراكز سياحية وتجارية وخدمية، بالإضافة إلى مدينة ذكية تتوافق مع المعايير العالمية. حاليًا، يملك الدولة 99,5% من الأراضي، بعد إجراءات إعادة تأهيل نجحت في تنقية البحيرة الضحلة، التي كانت سابقًا مستنقعًا مترهلًا ينبعث منه روائح كريهة.
وأوضحت رحمومي أن التحسينات المُنفذة ساهمت بالفعل في رفع جودة الحياة لسكان الأحياء المجاورة. أصبحت السبخة اليوم مستقرة بيئيًا، مما يجعلها احتياطيًا أرضيًا استراتيجيًا لتطوير الساحل الجنوبي في المستقبل.
يندرج هذا المشروع ضمن السياسة الوطنية لإعادة تأهيل السواحل وتنويع الخيارات السياحية، بهدف تنشيط المنطقة طوال العام، خاصة في فترات الركود الاقتصادي خارج موسم الذروة.
بدأت الأعمال التمهيدية منذ أوائل الألفية الجديدة، وتم تنفيذها على مراحل متعددة:
- 2007-2011: إعادة تأهيل الأراضي وإنشاء المسطح المائي.
- 2016-2018: فتح المسطح المائي نحو البحر.
- 2020: حماية مياه القناة الشمالية.
أما مسابقة الأفكار التي أُقيمت في 2021، فقد حددت الاتجاهات المستقبلية للمشروع، مع التركيز على التنمية المستدامة ومراقبة البيئة في السبخة خلال الفترة من 2022 إلى 2025.
الدولة تعتمد شراكة عام-خاص قوية للتنفيذ
في سبتمبر 2025، تم اختيار تحالف من الخبراء التونسيين والأجانب لدعم الدولة في مراحل الإعداد لشراكة عام-خاص (PPP) تهدف إلى تمويل التنفيذ. يمتد العقد لمدة 28 شهرًا، ويشمل: دراسة السوق وتحديد المستثمرين؛ تصميم الخطط الوظيفية؛ استراتيجية العلامة التجارية والتسويق الإقليمي؛ بالإضافة إلى الدعم الفني والقانوني حتى توقيع العقد النهائي.
تلعب هيئة الشراكات العامة الخاصة (IGPPP) دورًا محوريًا في هذه الديناميكية الجديدة. من خلال دعم مشروع سبخة بن غياضة في المهدية، تحولت الهيئة من جهة رقابية تقليدية إلى مبادرة ومطورة للمشاريع الكبرى.
أطلقت IGPPP الآن عملية المناقصة الدولية لتنظيم التسويق التجاري للمشروع وجذب المطورين والمستثمرين الرئيسيين، مما يعكس التزام الدولة بجعل هذا المشروع نموذجًا مبتكرًا للشراكات العامة الخاصة الذي يولد قيمة مضافة.
سيشارك مكتب فرنسي في هذه المهمة المشتركة، والتي من المتوقع أن تؤدي إلى اختيار المستثمرين الأوائل في 2027، كخطوة أولى نحو الإطلاق الفعلي.
يبلغ التكلفة الإجمالية للأعمال والدراسات وعمليات تسوية الأراضي، حتى نهاية 2025، نحو 81,3 مليون دينار تونسي.